لو سئل أحدنا : كم مرة تغسل قلبك في اليوم؟
لاستغرب واندهش من السؤال، و لتلعثم ولم يعرف بماذا يجيب !!
و لو سئل : كم مرة تغتسل أو تستحم؟
لأجاب على الفور دون تلعثم،
ذلك أن الاغتسال و التنظيف الخارجي للبدن أمر طبيعي ومألوف في حياتنا،
ولكننا لم نألف أن نعنى بنظافة و طهارة قلوبنا من أدرانها.
نحن يا إخوة نحرص على نظافة أجسامنا الخارجية، لكننا لا نحسن الوضوء !!
أتدرون لماذا؟
لأننا لا نحرص على الطهارة الباطنية !!
قلبك الذي بين جنبيك، ما وضعه وكيف حاله؟
أهو حي، أم ميت ؟؟
خرب أو عامر بالإيمان الحقيقي؟ ،
أم أن الأمراض قد فتكت به و أهلكته؟.
إن القلب الطاهر النقي التقي، هو ذلك القلب الخالي من الحقد و البغض و الغل و الرياء و الحسد و الضغائن
وسوءالظن، هو ذلك القلب المستريح من تلك الحرب الضروس التي يشعلها البعض فيقلبه حسدًا و حقدًا
على إخوانه لسبب دنيوي تافه، لا يستطيع معه:
أن ينام الليل،
أن يهدأ فكره بالنهار،
فهو يفكر دائما في الانتقام .
عن عبد الله بن عمرو، قال : قيل : يا رسول الله،
أي الناس أفضل ؟
قال :" كل مخموم القلب، صدوق اللسان ،
قالوا : صدوق اللسان نعرفه،
فما مخموم القلب؟
قال : التقي النقي ، لا إثم فيه ، و لا بغي ، و لا غل ، و لا حسد " .
وزاد ابن عساكر قالوا: فمن يليه يا رسول الله،
قال: الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة ،
قالوا: ما نعرف هذا فينا إلا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قالوا: فمن يليه ،
قال مؤمن في خلق حسن.
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: أبو حاتم الرازي
المصدر: العلل لابن أبي حاتم - الصفحة أو الرقم: 3/136
خلاصة الدرجة: صحيح حسن.
فكيف حال قلبك أنت؟
إن كان قلبك ميتًا، فخالط من قلبه حي ،
فشتان بين أقوام موتى تحيا القلوب بذكرهم،
وبين أقوام أحياء تموت القلوب بمخالطتهم.
قال لقمان لابنه : "يا بني جالس العلماء و زاحمهم بركبتيك،
فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل القطر.
القلب محطة توليد الطاقة في الجسم، أوقل: هو مفتاح التشغيل، فإن كان سليما، عملت باقي أعضاء الجسم بكفاءة،
وإن أصابه خلل، اختلت آليات الإرسال والاستقبال في الجسم و أصابها التشويش،
القلب هو تماما – كما قال عليه الصلاة و السلام – تلك المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله ، و إن فسدت فسد الجسد كله، قال عليه الصلاة والسلام :
" إن في ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح سائر جسده ، و إذا فسدت فسد سائر جسده، ألا وهي القلب ".
حديث صحيح
الراوي: أوس بن أبي أوس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 345
وصف رائع و بليغ، كيف لا، و قد أوتي جوامع الكلم، بأبي هو وأمي .. عليه الصلاة و السلام.
هذا ينقلنا للحديث عن قضية هامة و خطيرة، و هي أننا نستمع للقرآن، و نحضر حلق العلم، و نسمع المحاضرات، ونقرأ الكتب، و لكن .. أين نفع هذا كله؟
لماذا لا نتأثر؟
لماذا لا تتهذب أخلاقنا و يتغير سلوكنا؟
أين الخلل، و ما السبب في ذلك؟،
السبب/ هو أننا لم نتربَّ حقيقة التربية الإيمانية،
لم يأخذ القلب حظه من الرعاية والعناية،
فالقلب يحتاج كما قلنا إلى غسيل باستمرار؛ لتطهيره و تنقيته من تلك الآفات التي ذكرناها آنفا،
ليعمل بكفاءة في الاستقبال و الإرسال .
فأمراض القلوب، لها علاقة وطيدة بحال أمتنا اليوم، تداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها،
أصبحنا غثاء كغثاء السيل، أصبحنا لقمة سائغة و فريسة سهلة في أيدي أعدائنا،
ثم نقول : من أين هذا؟
{ قل هو من عند أنفسكم .....} / آل عمران 165
نعم ،ضعفنا و هزيمتنا وهواننا على الناس بسبب أمراض قلوبنا،
وما أدت إليه من انشقاق صفنا و تمزق وحدتنا،
أصبح بأسنا بيننا شديد،
بينما الأصل أن نكون أشداء على الكفار، رحماء بيننا،
و لكننا قلبنا الآية، وكم منطق فيها لحقيقة تقلب !!
لماذا يسيء أحدنا الظن بأخيه؟
التمس لأخيك العذر، فإن لم تجد له عذرا فقل : لعل له عذرا لا أعلمه،
وإلا فاتهم قلبك وقل: ياقلب ما أقساك!! .
ثم لماذا يحسد بعضنا البعض، و يحقد بعضنا على بعض؟
أليس همنا واحد، أليس كل واحد منا على ثغر من ثغورالإسلام؟
أنت أيها المسلم على ثغر من ثغور الإسلام فلايؤتين من قبلك، فأنت إن زللت زللتُ معك، و زللنا جميعا،
فنحن مشبوكو الأيدي في صف واحد، لإعلاء بنيان واحد، فإن عثر أحدنا، نهضنا جميعًا لنقيل عثرته،
حفاظا على سلامة البنيان من الانهيار بسقوط الواحد تلو الآخر، و إن زل أحدنا،
ساعدناه على النهوض مرة أخرى،
لا أن نكون أعوانا للشيطان و لنفسه عليه !!،
فمن مصلحتنا جميعا أن يساعد بعضنا البعض لنبقى أقوياء، فبهذا تعلو الهمم و تسمو وترتقي.
سأل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يوما عن رجل يعرفه ، فقالوا له: إنه خارج المدينة يتابع الشراب،
فكتب له عمر يقول : إنني أحمد إليك الله الذي لا إله غيره، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب.
فلم يزل الرجل يردد كتاب عمر و هو يبكي؛ حتى صحت توبته، و لما بلغ عمر، قال : هكذا فاصنعوا،
إذا رأيتم أخاكم زل زلة فسددوه ووفقوه و ادعوا الله أن يتوب عليه، و لا تكونوا أعوانا للشيطان عليه".
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 182 :
أخرجه أحمد ( 1 / 438 )
وقيل حديث حسن.
بعد هذا،
أنجرؤ ونقول : قم يا صلاح الدين أنقذ أمتنا مما هي فيه؟َ!
أعجزت الأمهات حقًّا وعقمت أن تنجب اليوم كصلاح الدين؟!
لماذا لا نأخذ بالأسباب التي أخذ بها صلاح الدين عندما حرر الأقصى؟
فلله سنة في كونه، ولله سنة في عباده، و الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
الأمر جد خطير كما ترون،
فلابد من إحياء القلوب، و إصلاح ذات البين،
لتوحيد الصفوف وننهض من جديد.
منقول بإضافات وتعديل من قلمي.