عبرة ساخنة على وجنة الشتاء
مدخل ..
قصة أبطالها : حظوة رغيف – وهيمنة شتاء- نافذة حافلة
وفي أسفل الهامش .....طفل
أما الحاشية المتخمة فلم تسعها الصفحة ..
في فجر شتاء قارس.. تسللت من تحت معطفي الثقيل وخزات برد أبت إلا أن تستفزني ذاك الصباح ....
وخلف نافذة الحافلة أرى ركام من زحام
وأسمع ضجيج المحركات يملأ المكان ....
ويشعل فتيل الانزعاج فيوقد حنقاً يجلب بعضاً من الدفء ..
وكعادتي أقلب نظري هنا وهناك تــــأملاً ... يوحي بتأسيٍ تارة وشكرٍ لله تارة وتسبيحٍ له تارة وتارات ..
و فجأة قصد صاحب الحافلة طريقا مختصراً على غير العادة ..
فانحرف عن الشارع العام
ليلج بحي قديم من أحيـــاء العاصمة .. فاتجهت بكليتي إلى النافذة .. فالمكان جديد جدير بالتأمل ...
ومن شدة الزحام وضيق الممرات وقفت الحافلة اضطرارا ...فوقفت عيناي ..
أفواج من الطلاب في مختلف المراحل .. قد عانقت معاطفهم رؤوسهم .. من شدة البرد ..
إلا أن منهم من يسترق النظر من خلف ذلك الدفء إلى فرن للخبز على جانب الطريق .. وسرعان ما أوصلني الفضول لتلك الصورة .. لأكون ...هناك وللأبد..
طفل في شتاءه الثاني عشر أو الثالث عشر ..
ينتعل الرصيف .. ويرتدي بعضا من معاطف الصيف الصفيقة !!!!
يضم كفيه مستجديا بعض دفء فييمم بها وجه الشاحب ..
ويحتضن ذراعيه ليلملم أطرافه الرعشة ..
وحين أدرك أنه أضحى مركزاً لدائرة الأنظار .. أطرق برأسه ..وقلبي
هاهو صاحب المخبز يومئ إليه أن تقدم وخذ رغيفاً..
وحين وصل دفء الرغيف لراحتيه فأرسلته فوراً لباقي جسده النحيل ..
تراقصت عيناه من شدة الفرح ..وتنفس الغبطة .. وارتسم السرور على محياه البريء فانتشى بسعادة غامرة ..وكأنه سرح في فضاء حــالم لم يرد أن يفيق منه ..
..ولبرهة زال من وجهه عبوس نحته دهر..
فتنحنح الواقع ..
وعاد الإنكسار لمسكنه من ذاك المحيا الذابل .. وبدت عيناه تركضان تريد مخبأ من ذلك الرمْق البعيد .. والتحديق القريب..
فدس وجهه في تقاسيم الرغيف ..
ترى ماذا يواري .. أيواري حاجته المذِلة .. أم حياءه المتلعثم .. أم سعادته المبتورة .. أم امتنانه المنكسر.. للخباز؟
أسند الرغيف لقطعة من( الكرتون ) كانت ملقاة بين الصقيع ..
وأخيرا أضحت السيادة للهفة الجوع...!!
الذي كان أشد وطأة من ذلك كله ..
فاقتطع جزءاً من الرغيف وجزءا ًمن قلبي..
صوت الحافلة يوذن بالإتجاه بعيدا .. تحرك إطار النافذة فسقطت تلك الصورة ..
مخرج
صغيري هي سوءة الزمن ..
وليس عليك أن تدفع الثمن ..
.................................................. .... !!!!!!! ياقوتة (من الواقع )