أين تذهب اللعنة؟
هل تدري أيها اللعان أن لعنتك تصعد إلى السماء فيهرب أهل السماء منها خشية أن تصيبهم؟! هل تدري أنها تهبط إلى الأرض بعد ذلك، فتهرب الكائنات منها خشية أن تصيبهم؟! هل تدري أنها تذهب بعد ذلك يميناً ويساراً حتى تصادف من يستحقها؟ ثم هل تدري أنها تعود إليك إذا كان من لعنت لا يستحق لعنتك؟ فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله : { إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنه إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإن لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن فإن كان أهلاً، وإلا رجعت إلى قائلها } [رواه أبو داود وحسنه الألباني لغيره].
فلماذا تحمل نفسك - أخي - هذا الذنب العظيم، ولما تصر على هذا الجرم الكبير؟ ولماذا لا تعود لسانك الدعاء لأبنائك وبناتك بدلاً من لعنهم والدعاء عليهم؟ ألا تخشى أن ترجع إليك لعنتك وتكون ساعة إجابة، فتطرد من رحمة الله عز وجل، وتكون من المبعدين المقبوحين؟ ألا تخشى أن تلقى الله عز وجل بلسان ولغ في أعراض المسلمين واستباح حرماتهم؟ ألا تخشى أن تتساوى حسناتك وسيئاتك فتأتي لعنتك فترجح ميزان سيئاتك فتدخل بها النار؟
[حكم لعن المعين]
لاريب أن المؤمن المعين لا يجوز لعنه حياً أو ميتاً للأدلة التي ذكرنا بعضها فيما سبق، أما الكافر المعين فلا يجوز لعنهإذا لم يكن قد مات على الكفر، لأنه لا يدري ما يختم له به، وليس هناك مصلحة في الدعاء على أحد بالموت على الكفر، ويدل على ذلك حديث ابن عمر، أن رسول الله قال يوم أحد: { اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أميه } فنزلت الآية ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون [آل عمران:128] فتاب عليهم كلهم [رواه أحمد والترمذي، وعند البخاري { اللهم العن فلاناً وفلاناً }. فإذا كان لايجوز لعن الكافر المعين الذي لم يمت على الكفر، فكذلك لا يجوز لعن الفاسق المعين أو الظالم المعين من باب أولى، نعم يجوز ذلك بالأوصاف العامة، كأن يقول: لعنة الله على الزناة، أو على الكاذبين ونحو ذلك ( أنظر كتاب الأخلاق الدينيه لعبد الرحمن الجزيري ص111 ).
فقد لعن النبي أصنافاً من العصاة بغير تعيين كالواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، وآكل الربا وموكله، وشارب الخمر، والمحلل والمحلل له، وغيرهم كثير. أما من تيقن موته على الكفر كفرعون وأبي جهل وغيرهما فإنه يجوز لعنه، على أن المسلم ينبغي عليه أن يطهر لسانه من السبّ واللعن إلا إذا كانت مصلحة راجحة. [أدب السلــف].
أخي الحبيب: كان سلف الأمة أحرص منا على الخير، ولذلك كانوا يتحاشون السبّ واللعن، ويطيبون ألسنتهم بذكر الله وشكره ودعائه والثناء عليه وتلاوة كتابه، ومما روي عنهم في ذلك:
1) قال الزربقان: كنت عند أبي وائل، فجعلت أسبّ الحجاج، وأذكر مساوئه، فقال أبو وائل: وما يدريك ! لعلّه قال: اللهم اغفرلي فغفر له !
2) وقال عاصم بن أبي النجود: ما سمعت أبا وائل شقيق ابن سلمة سب إنساناً قط ولا بهيمة.
3) وقال المثنى بن الصباح: لبث وهب بن منبه أربعين سنة لم يسب شيئاً فيه روح.
4) وعن سالم قال: ما لعن ابن عمر خادماً قط، إلا واحداً فأعتقه. لا تكن عوناً للشيطان على أخيك.
5) عن ابن مسعود قال: ( إذا رأيتم أخاكم قارف ذنباً فلا تكونوا أعواناً للشيطان عليه، تقولون: اللهم اخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية، فإنا أصحاب محمد كنا لا نقول في أحداً شيئاً، حتى نعلم على ما يموت، فإن ختم له بخير، علمنا أنه قد أصاب خيراً، وإن ختم له بشر، خفنا عليه عمله.
6) وروي أن أبا الدرداء مر على رجل قد أصاب ذنباً، فكانوا يسبونه، فقال لهم أبو الدرداء: أرأيتم لو وجدتموه في بئر ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. قالوا: أفلا نبغضه؟ قال: إنما أبغضه عمله، فإذا تركه فهو أخي.
ولو أن المسلمين تعاملوا بهذه الأخلاق الكريمة، والنفوس الصافية والصدور السليمة لتغير حالهم، وعظم أثرهم في أنفسهم وفي غيرهم من غير المسلمين.. ألا فليرجع المسلمون إلى أخلاق النبوة وآداب الرسالة، ليرجع إليهم تميزهم، ويكونوا خير أمة أخرجت للناس، كما كان أسلافهم.
" اللهم ارزقنا احسن الاخلاق لايرزقها احسنها الا انت .. "
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
" منقوول .. "