تعتبر الجامعات السعودية صاحبة تاريخ عريق ساهمت في التنمية الشاملة في المملكة العربية السعودية وساهمت مخرجات هذه الجامعات في بناء الوطن من مواقع مختلفة وباسترجاع قائمة رجال الوطن خلال الخمسين عاماً الماضية نفخر بأسماء ساطعة ولامعة ومبدعة في مجالات مختلفة داخلياً وخارجياً. لقد أخرجت لنا الجامعات السعودية الآلاف من المواطنين الذين قادوا مسيرة العمل التنفيذي في القطاعات الحكومية المدنية والعسكرية وفي القطاع الخاص كرجال أعمال أو مديري شركات أو بنوك، وعلى المستوى القيادي أخرجت لنا الجامعات السعودية من قادوا العديد من الوزارات والمؤسسات العامة في الدولة منهم الوزراء والعلماء والقضاة وأعضاء مجلس الشورى والأطباء والسفراء والأدباء والصحفيون والكتاب وقادة الجيش وضباط الداخلية والحرس الوطني. وأبدع المتميزون من خريجي الجامعات السعودية في الجامعات العالمية وسجلت بعض الجامعات العالمية أسماء المتميزين من المبتعثين السعوديين في الماضي والحاضر في سجل الشرف والإبداع إما لتفوقهم أو لابتكاراتهم واختراعاتهم وهي ليست مبالغات، لكنها حقيقة لا مجال للتشكيك فيها. إن مخرجات الجامعات السعودية برغم الإمكانيات المالية المتواضعة عند البعض منها وبرغم معاناة البعض الآخر من معوقات أخرى، إلا أنه من الإجحاف أن نغفل دور الجامعات السعودية في الماضي ومن الإجحاف أن نغفل دور وزارة التعليم العالي في دعم الجامعات.
إن المنتقدين للجامعات السعودية من المخلصين من أبناء هذا الوطن لم يقصدوا بانتقادهم سحب الثقة من الجامعات السعودية أو التقليل من شأنها أو إضعاف ثقة طلبة الجامعات بجامعاتهم أو تنفير الطلبة المستجدين من الجامعات السعودية أو إحباط القائمين على الجامعات، وإنما أجزم بأن انتقادهم ينبع من مصلحة وطنية تهدف إلى تحفيز القائمين على الجامعات والمسؤولين فيها لمضاعفة الجهد لتطوير الجامعات وأدائها الأكاديمي ورفع مستوى الخريج والتركيز على البحث العلمي وتطوير المناهج العلمية واستخدام التقنية الحديثة في التعليم الجامعي وتهيئة الأجواء المناسبة للأستاذ الجامعي للإنتاج والإبداع وإتاحة الفرصة له لتطوير إمكانياته بحضوره المؤتمرات والندوات ودعمه لإجراء البحوث والدراسات وتطوير الكادر الوظيفي الأكاديمي ومتابعة وتقييم وتقويم أداء الأكاديميين، وتوفير الإمكانيات المالية بالجامعات السعودية لتستطيع أن تقوم برسالتها العلمية ومنح مديريها الصلاحيات الكاملة لإدارتها وتطويرها.
هذه مقدمة مقالتي اليوم والتي وددت بها أن أوضح موضوعاً مهماً تناولته الصحف اليومية الأسبوع الماضي على إثر مناقشة موضوع نظام الجامعات السعودية والمجلس الأعلى للجامعات في مجلس الشورى وقد انتقد بعض الزملاء في المجلس موقع الجامعات السعودية في قائمة التصنيف لأفضل خمسمائة جامعة في العالم وانتقد البعض الآخر ترتيب الجامعات السعودية في العشرات الأخيرة من قائمة الثلاثة آلاف جامعة في العالم، ويبدو لي أن هناك سوء فهم من قبل بعض القراء بالنسبة لهذا الموضوع، فالمقصود بالانتقاد لترتيب الجامعات السعودية في قائمة الثلاثة آلاف أو غيابها عن قائمة الخمسمائة ينطلق في وجهة نظري من الحرص على رفع مستوى الجامعات لتصل إلى ترتيب متقدم في قوائم التقييم ويحرص البعض وأضم صوتي معهم بالمطالبة بتطوير جامعاتنا لتصل إلى مصاف الجامعات المتقدمة في العالم وهو أمل يراود كل مخلص وأمين في هذا الوطن.
ولا يعني عدم التواجد في قوائم التصنيف أو التأخر في الترتيب فيها أننا نرفع الثقة منها أو نقلل من مستوى التعليم فيها أو نحبط القائمين عليها وإنما نعمل على البحث عن الأسباب التي لم تساعدنا لأن نتبوأ مراتب متقدمة. وهو في وجهة نظري الأهم في الموضوع بأكمله، وهذا ما دفعني اليوم للمداخلة بهذه المقالة لأوضح بعض النقاط المهمة والتي أخلص في نهايتها إلى أن سبب تأخر ترتيب جامعاتنا في قوائم التقييم العالمية هو عدم قدرة الجامعات السعودية على تحقيق بعض شروط التقييم، وأضرب بعض الأمثلة على ذلك، فمن شروط التقييم تحديد نسب عدد الأساتذة الجامعيين إلى عدد الطلبة الجامعيين حيث إن معايير التقييم الدولية للجامعات تحدد النسب على سبيل المثال أستاذ لكل خمسة طلبة في كلية الطب وأستاذ لكل ثمانية طلبة في الكليات العلمية الأخرى وأستاذ لكل 20 طالباً في التخصصات النظرية الأخرى وفي كثير من الجامعات لا تتوفر هذه المعايير والخطأ ليس من الجامعات وإنما السبب هو أن قيادة بلادنا تستشعر دائماً أهمية التعليم الجامعي وتحرص على توفير الدراسة الجامعية لكل طالب راغب في الدراسة فيها. وبدون النظر إلى المعايير والإمكانيات تنفذ الجامعات القرارات السامية التي لها بعد اجتماعي لتلبية رغبة شعبية دونما النظر إلى المعايير الدولية لنسب الأساتذة للطلاب، وهذا معيار مهم جداً يلعب دوراً كبيراً في تقييم الجامعات السعودية وتستثنى جامعة الملك فهد والتي لم تتجاوب إلى حد ما مع الضغط الشعبي لزيادة نسب القبول فيها حفاظاً على مستوى الأداء وتمشياً مع المعايير الدولية، وهو توجه علمي ممتاز حتى وإن لم يحقق رغبات الطلبة المستجدين. ولمعالجة هذا الموضوع بحيث لا يؤثر على هذا المعيار كان من الأجدى أن يتزامن مع قرار قبول جميع المتقدمين للجامعات قرار آخر بدعم ميزانية الجامعات بتكلفة أي إضافات جديدة للطاقات الاستيعابية والمخالفة للمعايير الدولية لنسب الأساتذة للطلاب، وأقصد تعميد وزارة المالية لاعتماد رصد ميزانية استحداث وظائف جديدة للمعيدين والأساتذة والدكاترة حسب عدد الطلاب، وهي قضية تقف عائقاً أمام تطور الجامعات ويحرص المسؤولون في وزارة المالية والخدمة المالية على التشدد في رفض استحداث وظائف جديدة بمبررات غير علمية أو منطقية دونما النظر إلى سلبيات هذا الرفض وإن أكبر قضية تعانيها الجامعات منذ عشر سنوات ماضية هي ضعف اعتمادات وظائف المعيدين، وهم أساس بناء الكوادر الأكاديمية. أما العنصر الآخر في معايير التقييم وهو عنصر يتعلق بالبحث العلم =E
عبدالله صادق دحلان*
__._,_.___