علا صوت البيت فسكتت المدرسة
في الماضي القريب ، كان للمعلم هيبته ، وكان للمدرسة مكانتها ، كان المعلم وقتها يحس بقيمته ، وكانت له شخصيته ، يأمر فيطاع ، وينهى فيسمع ، هوا الأب الحاني ، والأخ الرحيم ، والقدوة المثلى ، والساعد الأيمن للأب في تربية أبنائه .
وكانت المدرسة منبراً للعلم ومعقلاً لتعليم الأخلاق ، وتهذيب النفوس ، لها قيمتها وكيانها ، قلعة شامخة ، وحصن منيع ، وبيت يؤمه الجميع ، ينهلون من معارفها ، ويرتشفون من رحيقها ، فكانت النتائج باهرة ، جيل نجيب على خلق عال ٍ ، يقدر العلم ، ويحرص عليه ، سلاحه العلم والمعرفة ، وهمه البحث والاستزادة ، الكتاب صديقه ، والقراءة سلوته .
ولكن عندما علا صوت البيت على صوت المدرسة فقدت المدرسة هيبتها ، وضعفت سطوتها ، فصار المعلم ضعيفاً داخلها ، وأصبحت المدرسة جوفاًء تخاف من الجميع وتتعرض للوم ، والانتقاد ، فأهينت كرامتها وفقدت احترامها ، عندها خرج لنا جيل ٍ ضعيف ، لا يحب العلم ولا يقبل عليه ، جيل يكره المدرسة ويحب التسلية ، قراءته ركيكة ، وكتابته مليئة بالأخطاء الجسيمة ، جيل لا يقدر المسؤولية ولا يتحملها ، ينهزم أمام أتفه المشكلات ، ويقف عاجزاً عن حلها !
وتعرض المعلم للمضايقة والإيذاء وتعرضت المدرسة للتخريب والاعتداء .
شكوى من ولىَ أمر كفيلة بأن تهز مدرسة بكاملها ، وتنقل معلماً إلى مكان ناء ،
وتجعل المشرف يهرول كالمجنون ، والأوراق تنتقل من يد إلى يد ، والتعاميم تكتب والقرارات تصدر !!
عندما علا صوت البيت على صوت المدرسة، طغت العاطفة على القرارات، فدلل الطالب وضيق الخناق على المعلم والمدرسة، فصارت المناهج ذات ألوان جميلة، وصفحات قليلة، وفائدتها العلمية ضعيفة، والنجاح فيها أسهل من قراءتها،
وظهرت لوائح وأنظمة اختبار وصل الطالب الكسول والمهمل معها إلى أعلى الصفوف، بينما وقف معلمه أمامه عاجزاً ليس له من الأمر شيء،
وفي المقابل يضيق الخناق على المعلم ، وتضاف إلى عمله أعمال ومهام أخرى تقيده وتكتم أنفاسه مما أفقده السيطرة والتركيز ، فأضحى كالآلة تقوم بعملها دون النظر إلى تربية أو أخلاق ، فليس لديه وقت لتصحيح خلق أو تشجيع مجدٍ ، أو مساعدة مقصر ، فتساوى الجميع ، وانعدم التمييز ، وماتت المواهب ، فضاع دور المدرسة .