من طبيعة معجزات الأنبياء أنها تأتي موافقة للزمان وطبيعة المكان الذي أرســـلت فيه كما أن التحدي بها لهذه الأقوام يكون في شيء يحسنونه وشيء من صميم حياتهم وطبيعتهم , كما في قصة صـــالح عليه الســلام مع قومه عندما طلبوا منه أن يأتي بمعجزة فأتت المعجزة من صميم حياتهم ومن شيء يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ألا وهي النوق ولاكن ناقة صالح عليه الســلام ليست كالنوق فهي ناقة إنشقت الأرض عنها كما أنها من الضخامة بحيث تشرب يوماً وتشرب القرية كلها يوماً آخر , كما أنها شـــــعراء وذات لون أحمر قال تعالى قالوا إنما أنت من المسـحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصالحين , قال هذه ناقة الله لها شــــرب ولكم شــــرب يوم معلوم ولاتمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم ) – وكذلك نبي الله موســـى حيث كانت أبرز سمات عصره إنتشار السحر الذي برع فيه أهل مصر فجاءت المعجزات موافقة وليســـت بســــحر وإنما هو علم آتاه الله موسى ليبطل به سحر الســحرة قال تعالى ( فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ) وقـال تعالى : ( فأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ) - وكذلك ماكان مع نبي الله عيسى عليه الســلام فقد بعث في قوم قد برعوا في الطب فجاءت معجزاته تتحدى الطب أولاً في قضية خلقه وتكوينه بدون دخول جنــــس الذكورة في ذلك قال تعالى : ( قالت أنىّ يكون لي غلام ولم يمســسني بشـــر ولم أك بغياً ) , ثم مســألة كلامه في المهد قال تعالى :
( فأشــــــارت إليه قالوا كيف نكــــلم من كـــان في المـــهد صبياً , قال إني عبدالله آتانيَ الكــــتاب وجعلني نبياً) ثم المعجزات التي جرت على يديه قال تعالى ( ورســـــــــــــــولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكـــــم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والبرص وأحيي الموتى ) وكل هذه الأمور يعجز عنها الطب ويقف أمامها حائراً في القديم والحديث 0
أما معجزة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم فقد وافقت ظروف الزمان والبيئة التي أرســــــلت فيها وهي أرض العرب بكل ماتوصـلت إليه من القمم في مجال اللغة والبلاغة حيث لم تتوصل إلى ذلك أمة في القديم ولا في الحديث فجاءت المعجزة تخاطبهم بلغتهم التي قدسوها ووصلوا بها إلى مرحلة الرقي وخصوصاً في الشــــعر الذي عظم مقداره عندهم وليس كل الشعر يصل إلى هذه المرحلة من الرقي بل هناك خصوصية لبعض الشــعر كالمعلقات والتي سميت بذلك لأنها علقت على الكعبة وذلك لما وصلت إليه من التقدير والســـمو , ومما ذكر في ذلك العصر أن بيتاً من الشعر كان يرفع قبيلة ويحط أخرى ومن الأمثلة على ذلك قصة بنو أنف الناقة فقد كانوا يخجلون من هذا الاسم وينتسبون لغيرهم حتى مدحهم شاعر ذات مرة فقال :
قوم هم الأنف والأذناب دونهم ومن يسوي بأنف الناقة الذنب
فصاروا منذ ذلك اليوم يفتخرون بهذا المســـمى (بنو أنف الناقة) , وكانت القبائل تتســــابق في إكرام الشــعراء ليحظوا بالمدح فيرتفع شأنهم وكانوا إذا ظهر منهم شاعر يجلونه ويضعونه في أسمى المراتب 0
فجاءت معجزة الرســـول صلىالله عليه وســـلم تخاطبهم بلغة تفوق لغتهم وبلاغة تتحدى بلاغتهم حتى أنهم لم يســـتطيعوا أن يأتوا بآية من مثلة على ماكان من بلاغتهم وفصاحة ألســـــنتهم فلم يكونوا غير محسنين للغه أو أعاجم أو عاجزين عنها ولاكنما هو كلام الله الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه 0
ووجه الإختلاف بين معجزة النبي صلى الله عليه وســــلم ومعجزات الأنبياء ,أنها دائمة ومتجددة بتجدد الأيام بعكس معجزات الأنبياء التي إنتهت في وقتها ولم تبق أي دلائل على حدوثها ,فسبحان منزل القرآن الكريم 0